الخميس، 24 يناير 2013

حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر،

حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر، أربع كلمات لا غير قالها وفد فارس عندما جاء إلى المدينة سائلا عن أمير المؤمنين عمر ذلك الرجل الذي جيش الجيوش الإسلامية، التي انتصرت على أقوى جيوش العالم وقتها وهي جيوش امبراطوريتي فارس وروما فأشار إليهم أحد المسلمين إلى رجل نائم في ظل نخلة بلا حراسة أو حراس يبعدون المار من الاقتراب منه، عكست فلسفة حكم عمر الذي طبق العدالة في أسمى صورها، فابتدأ بتطبيقها على نفسه وعلى أسرته الصغيرة باعتبارهم القدوة لسائر المسلمين فقسا على نفسه وعلى أولاده وزوجته أشد القسوة حتى هزل جسده وضعف بدنه من مداومة أكل العيش والزيت دون سواهما لمدة طويلة أو كسر جافة من الخبز بلا أدام، أمام أولاده فيكفي أنه شاهد مرة طفلة صغيرة هزيلة تتخبط في مشيها صفراء البشرة من سوء التغذية فسأل عنها فاعلموه أنها ابنة عبدالله بن عمر، فلما سأل ابنه عن السبب الذي جعل حاله يؤول إلى هذا المستوى أخبره بقلة الرزق وأن عطاءه لا يكاد يكفيه وأسرته، فهل فتح الأب أبواب بيت المال ليغترف منه الابن من مؤنة تجعله يعيش في رغد من العيش؟، الإجابة كلا بل قالها لابنه صريحة مدوية، بقيت على مر العصور هي سواء كفاك عطاءك أم لم يكفك فلن تأخذ من مال المسلمين شيئاً، أما أمورك فعليك بتدبيرها، وأما زوجته فيكفي أنها اشتهت الحلوى فوفرت ديناراً لشرائها، فهل اشترى لها الحلوى؟ كلا وإنما أخذ الدينار ليودعه بيت مال المسلمين فهل أزال العدل المطلق لعمر الحقد من نفوس الذين أضمروا له الشر؟

بداية المؤامرة

كان عمر حكيما عندما أبعد كل من لا يدين بدين الإسلام من سكن المدينة إلى خارجها، وكان ممن شملهم هذا الإبعاد أحد الأسرى من الفرس هو أبو لؤلؤة المجوسي وقع في سهم المغيرة بن شعبة وكان صناعا فهو حداد نجار- نقاش يدعي أنه قادر على صنع رحى تدور بالرياح، أو الفكرة الأولى لطواحين الهواء المعروفة في زماننا، لهذا أقنع المغيرة عمر بالسماح له بالإقامة في المدينة ليستفيد المسلمون من الصناعات التي يتقنها، وفرض عليه اتاوة يومية قدرها ثلاثة دراهم، رغم أنه قد ظل على مجوسيته، وإلى جانبه كان يسكن المدينة أحد قواد الفرس الذين ظلوا يقاتلون المسلمين بشراسة حتى تم أسره، فعرض عليه الإسلام، فأظهر قبوله ولكن حقده على الإسلام ظل يأكل قلبه، فاجتمع مع أبي لؤلؤة المجوسي يتذاكران ما حل بدولة فارس على يد جيوش المسلمين وكيف تحولا من سادة إلى عبيد وشاركهما في ذلك نصراني آخر كان يسكن خارج المدينة يدعى جغينة وظل الثلاثة يجتمعون معاً يتآمرون على ارتكاب عمل يهز هذه الدولة الفتية بقوة، ويصدع أركانها، وأي شيء يحقق ذلك أكبر من قتل عمر، لذا عزموا على تنفيذ هذه المؤامرة، فصنع أبو لؤلوة خنجرا ذا نصلين، رأه عبد الرحمن بن أبي بكر عندما مر على هؤلاء المتآمرين فقاموا احتراما له فسقط الخنجر من بينهم، كما رأه عبدالرحمن بن عوف عندما مر على الهرمزان فرأى هذا الخنجر في يده فسأله عن سبب تواجده معه فأجابه بأنه يستعمله في تقطيع اللحم، فلم يأخذ عبدالرحمن بن عوف الأمر على محمل سيئ، وأن هذا الخنجر سيقتل به أعدل من عرفتهم البشرية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تنفيذ المؤامرة

اشتكى أبو لؤلؤة لعمر من كثرة الجذية المفروضة عليه فلما سأله عن صناعته أبان له أنه حداد فلما سأله عن المقدار المفروض عليه يوميا ذكر له أنه ثلاثة دراهم فأجابه بأن شخصا هذه صناعاته ليست ثلاثة دراهم بكثيرة، فقال أبو لؤلؤة بحنق »شمل عدله الكافة عداي«، وقابله عمر مرة أخرى فبادره بقوله إن البعض يزعم أنك قادر على صنع رحى ضخمة تعمل بالرياح فأجابه أبو لؤلؤة نعم وسأصنع رحى لك تتحدث بها الركبان فقال عمر لمن كان معه لقد أوعدني العبد، أي أضمر لي الشر، وقد مضى عمر لسبيله عازما على طلب تخفيض جزية أبو لؤلؤة من المغيرة بن شعبة، والغريب الذي يقف أمامه المؤرخون هو كعب الأحبار في المؤامرة وهل كان ضالعا فيها أم بريئا منها وذلك أنه شوهد وهو يجالس المتآمرين، وهو يهودي قدم من اليمن على رسول الله ولم يسلم وعاصر حياة الصديق ولم يسلم، وأسلم في عهد عمر، فضلا عن أنه قبل عمر قبل مقتله بثلاثة أيام وأخبره بأنه سيموت بعد ثلاثة أيام وأنه عليه أن يوصي بمن يخلفه، كما زعم أن عمر على باب جهنم فلما طلب منه تفسير ذلك قال إن عمر يقف على باب جهنم مانعا المسلمين من الوقوع فيها، فلما جاء الميعاد المحتوم لتنفيذ المؤامرة كمن أبو لؤلؤة- في غبشة الفجر في أحد أركان المسجد، فلما أذن لصلاة الفجر ووقف المصلون للصلاة وكان من عادة عمر ألا يبدأ الصلاة حتى يتأكد من استواء الصفوف فلما تأكد من ذلك وكبر للصلاة خرج اللعين من مكمنه، وطعن عمر بخنجره عدة طعنان قيل إنها ثلاث طعنات وقيل إنها ست أو أكثر منها طعنة أصابت تحت سرته، فلما حدث هرج شديد بالمسجد وحاول المسلمون الإمساك بالجاني استعمل سيفه فضرب به ثلاثة عشر مسلما توفى منهم تسعة ونجا الباقون، ولم يستطيعوا إمساكه إلا بعد أن ألقى عليه عبدالرحمن بن أبي بكر ثوبا فشل حركته، فلما تأكد أبو لؤلؤة من عدم إمكانية الهرب طعن نفسه مفضلا الموت بيده على تنفيذ القصاص فيه بعد الوفاة.
نقل عمر إلى منزله بعدما صلى عبدالرحمن بن عوف صلاة الصبح بأقصر سورتين من سور القرآن، ولم يشغله الألم عن تنظيم أمور الدولة الإسلامية، وأوصى باختيار الخليفة من بين ستة من كبار الصحابة سماهم، وقصر الشورى عليهم، بحيث يختارون من بينهم خليفة خلال مدة معينة يصلي خلالها صهيب الرومي بالناس، كما استأذن السيدة عائشة رضي الله عنها في أن يدفن إلى جوار صاحبيه، فأذنت له كما أوصى بغسله بعد وفاته واضعا بذلك حكما شرعيا كان محل خلاف بين المسلمين ذلك أن المعروف أن الشهيد لا يغسل وإنما يدفن على النحو الذي مات عليه، والشهيد ليس صنفا واحدا وهو الذي يموت في المعارك الحربية، وإنما تكون الشهادة لأصناف كثيرة كمن يموت دون حاله أو دون عرضه أو مبطونا أو تحت ردم أو قتيل غيلة، الخ، وكان المسلمون غير مستقرين حول تغسيل هذه الأصناف حتى جاء استشهاد عمر ليضع الحكم الشرعي الحاسم لهذه المسألة وهي أنه لا يغسل الشهيد الذي يموت في لقاء العدو أما سائر الشهداء فيغسلون شأنهم في ذلك شأن من مات ميتة عادية وكما كانت حياة عمر عدلا محضا وإعلاء لكلمة الدين، فإن موته رغم أنه كان فاجعة حلت بالإسلام إلا أنه لم يشأ أن يغادر الدنيا دون أن يترك حكما شرعيا ثابتا يظل حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ليكون موته وحياته خدمة للإسلام وترسيخا لأحكامه وقواعده.

فكرة المؤامرة

لاشك أن وفاة عمر لم تكن حادثا عارضا وليد لحظة وإنما كانت وليدة مؤامرة حاكها من امتلأت قلوبهم حقداً على الإسلام الذي استطاع جنوده بإيمانهم رغم قلة عددهم، أن يدكوا قلاعهم، ويستولوا على بلادهم ويغنموا أموالهم، فكان لا بد من العزم والتصميم من أولئك الحاقدين في أن يضعوا مشروعا إجراميا، قائما على العمد لهز الدولة الإسلامية، وأي شيء يهز أركان هذه الدولة كقتل الخليفة العادل، الذي كان- كما وصفه البعض- حصنا للإسلام، يدخله الناس فلا يخرجون منه.
رحم الله عمر بن الخطاب حياً وميتاً ويوم يبعث حيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق